وبدأ الوجع يظهر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ..
فقال : أريد أن أزور شهداء أحد
فذهب إلى شهداء أحد ووقف على قبور الشهداء
وقال : ( السلام عليكم يا شهداء أحد ، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وإني إن شاء الله بكم لاحق )
وأثناء رجوعه من الزياره بكي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قالوا: ما يبكيك يا رسول الله ؟
قال: اشتقت إلى إخواني
قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟
قال :لا أنتم أصحابي ، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني
- اللهم إنا نسألك أن نكون منهم -
وقبل الوفاة بـ 3 أيام بدأ الوجع يشتد عليه وكان في بيت السيدة ميمونة - رضي الله عنها -
فقال : اجمعوا زوجاتي .. فجمعت الزوجات ،
فقال النبي : أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشة ؟
فقلن : نأذن لك يا رسول الله ..
فأراد أن يقوم فما استطاع فجاء علي بن أبي طالب والفضل بن العباس – رضي الله عنهما - فحملا النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرجوا به من حجرة السيدة ميمونة إلى حجرة السيدة عائشة ، فرآه الصحابة على هذا الحال لأول مرة ..
فبدأ الصحابة في السؤال بهلع : ماذا أحل برسول الله .. ماذا أحل برسول الله ..؟
فتجمع الناس في المسجد وامتلأ وتزاحم الناس عليه .. وبدأ العرق يتصبب من النبي بغزارة !
تقول عائشة – رضي الله عنها - : لم أر في حياتي أحد يتصبب عرقا بهذا الشكل ! ، و كنت آخذ بيد النبي وأمسح بها وجهه ، لأن يد النبي أكرم وأطيب من يدي ..
وتقول : فأسمعه يقول : ( لا اله إلا الله ، إن للموت لسكرات )
فكثر اللغط ( أي الحديث ) في المسجد اشفاقا على الرسول ..
فقال النبي : ماهذا ؟ ..
فقالوا : يارسول الله ، يخافون عليك ..
فقال : احملوني إليهم ..
فأراد أن يقوم فما استطاع ، فصبوا عليه 7 قرب من الماء حتى يفيق ..
حُمل النبي وصعد إلى المنبر ..
فكانت آخر خطبة لرسول الله و آخر كلمات له ..
قال النبي: ( أيها الناس، كأنكم تخافون علي )
فقالوا : نعم يارسول الله .
فقال : ( أيها الناس، موعدكم معي ليس الدنيا ، موعدكم معي عند الحوض ، والله لكأني أنظر اليه من مقامي هذا .. أيها الناس ، والله ما الفقر أخشي عليكم ، ولكني أخشي عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم ، فتهلككم كما أهلكتهم ) ثم قال : ( أيها الناس ، الله الله في الصلاة ، الله الله في الصلاة )
بمعنى أستحلفكم بالله العظيم أن تحافظوا على الصلاة ، وظل يرددها ..
وقال : ( أيها الناس ، اتقوا الله في النساء ، اتقوا الله في النساء ، أوصيكم بالنساء خيرا )
ثم قال : ( أيها الناس إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله )
فلم يفهم أحد قصده من هذه الجملة ، وكان يقصد نفسه .. كان أبوبكر الصديق – رضي الله عنه - هو الوحيد الذي فهم هذه الجملة ، فانفجر بالبكاء وعلى نحيبه ، ووقف وقاطع النبي وقال : فديناك بآبائنا ، فديناك بأمهاتنا ، فديناء بأولادنا ، فديناك بأزواجنا ، فديناك بأموالنا .. وظل يرددها ..
فنظر الناس إلى أبو بكر ، كيف يقاطع النبي ..
فأخذ النبي يدافع عن أبو بكر قائلا : أيها الناس ، دعوا أبوبكر ، فما منكم من أحد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به ، إلا أبوبكر لم أستطع مكافأته ، فتركت مكافأته إلى الله - عز وجل - ، كل الأبواب إلى المسجد تسد إلا باب أبوبكر لا يسد أبدا ..
وأخيرا قبل نزوله من المنبر بدأ الرسول بالدعاء للمسلمين قبل الوفاة كآخر دعوات لهم فقال أوآكم الله ، حفظكم الله ، نصركم الله ، ثبتكم الله ، أيدكم الله )
وآخر كلمة قالها ، آخر كلمة موجهة للأمة من على منبره قبل نزوله
قال أيها الناس ، أقرأوا مني السلام كل من تبعني من أمتي إلى يوم القيامة )
وحُمل مرة أخرى إلى بيته ..
وهو هناك دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك ، فظل النبي ينظر الى السواك ولكنه لم يستطيع ان يطلبه من شدة مرضه..
ففهمت عائشة – رضي الله عنها - من نظرة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فأخذت السواك من عبد الرحمن ووضعته في فم النبي ، فلم يستطع أن يستاك به ، فأخذته من النبي وجعلت تلينه بفمها وردته للنبي مره أخرى حتى يكون طريا عليه
قالت : كان آخر شئ دخل جوف النبي هو ريقي ، فكان من فضل الله علي أن جمع بين ريقي وريق النبي قبل أن يموت ..
تقول السيدة عائشة : ثم دخلت فاطمة بنت النبي ، فلما دخلت بكت ، لأن النبي لم يستطع القيام ، لأنه كان يقبلها بين عينيها كلما جاءت إليه ..
فقال النبي : ادنُ مني يا فاطمة
فحدثها النبي في أذنها ، فبكت أكثر ..
فلما بكت قال لها النبي : ادنُ مني يا فاطمة
فحدثها مره أخري في اذنها ، فضحكت ..
بعد وفاته سئلت ماذا قال لك النبي فقالت : قال لي في المرة الأولى : ( يا فاطمة ، إني ميت الليلة ) فبكيت ، فلما وجدني أبكي قال : ( يا فاطمة ، أنتِ أول أهلي لحاقاً بي ) فضحكت ..
تقول عائشة : ثم قال النبي : أخرِجوا من عندي في البيت
وقال : ادنُ مني يا عائشة
فنام النبي على صدر زوجته ، ورفع يده للسماء وقال : ( بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى )
تقول السيده عائشه: فعرفت أنه يخير ..
دخل سيدنا جبريل على النبي .. وقال : يارسول الله ، ملك الموت بالباب ، يستأذن أن يدخل عليك ، وما استأذن على أحد من قبلك ..
فقال النبي : ائذن له يا جبريل
فدخل ملك الموت على النبي .. وقال : السلام عليك يا رسول الله ، أرسلني الله أخيرك ، بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله ..
فقال النبي : ( بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى )
ووقف ملك الموت عند رأس النبي .. وقال : أيتها الروح الطيبة ، روح محمد بن عبد الله ، اخرجي إلى رضا من الله و رضوان ورب راض غير غضبان ..
تقول السيدة عائشة : فسقطت يد النبي وثقلت رأسه في صدري ، فعرفت أنه قد مات .. فلم أدري ما أفعل ، وما كان مني غير أن خرجت من حجرتي وفتحت بابي الذي يطل على الرجال في المسجد وأقول : مات رسول الله ، مات رسول الله !
تقول: فانفجر المسجد بالبكاء ..
فهذا علي بن أبي طالب أقعد ،
وهذا عثمان بن عفان كالصبي يؤخذ بيده يمنى ويسرى ،
وهذا عمر بن الخطاب يرفع سيفه ويقول : من قال أنه قد مات قطعت رأسه، إنه ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه ، وسيعود ويقتل من قال أنه قد مات ..
أما أثبت الناس فكان أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - دخل على النبي – عليه الصلاة والسلام - واحتضنه .. وقال :
وآآآ خليلاه ، وآآآصفياه ، وآآآ حبيباه ، وآآآ نبياه .. وقبل النبي وقال : طبت حيا وطبت ميتا يا رسول الله ..
ثم خرج يقول : من كان يعبد محمد فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ..
ويسقط السيف من يد عمر بن الخطاب ، يقول: فعرفت أنه قد مات ، فخرجت أجري أبحث عن مكان أجلس فيه وحدي لأبكي ..
ودفن النبي ..
وكانت ابنته فاطمة – رضي الله عنها - تقول : أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب علي وجه النبي ..!
ووقفت تنعي النبي وتقول: يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ، الى جبريل ننعاه